سورة البقرة - تفسير تفسير التستري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)}
وسئل عن قوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} [25] فقال: ليس في الجنة شيء من فرش ولا آنية ولا لباس ولا طيب ولا طير، ولا شيء من النبات، ولا شيء من الفواكه كلها، فما في الدنيا يشبه ذلك إلّا اتفاق الأسماء فقط، وذلك أن رمان الجنة لا يشبه رمان الدنيا قط إلّا باتفاق الأسماء فقط، وكذلك التمر والعناب وأشباه ذلك، وإنما أراد بقوله: «متشابها» أي في اللون، مختلفا في الطعم، وذلك أن الملائكة تأتي الأولياء في الجنة بالتفاح في الغداء، ثم يأتون به في العشاء، فيقول الأولياء: هذا ذلك. فيقال لهم: ذوقوه. فإذا ذاقوه أصابوا له غير طعم الأول، فلا يجوز أن تدفع قدرة اللّه تعالى أن يؤدي طعم التفاح طعم الرمان واللوز والسفرجل قال سهل: وإني لأعرف رجلا من الأولياء رأى في الدنيا رمانة كبيرة كأكبر ما كان بين يدي رجل على شاطئ البحر، فقال له الولي: ما هذا بين يديك؟ فقال: رمانة رأيتها في الجنة فاشتهيتها، فأتاني اللّه بها، فلما وضعتها بين يدي ندمت على استعجالي ذلك في الدنيا. قال له ذلك الرجل: أفآكل منها؟ قال له الرجل: إن قدرت أن تأكل منها فكل، فضرب بيده إليها فأكل أكثرها، فلما رآه يأكل منها أعظمه ذلك، فقال: أبشر بالجنة، فإني لم أعرف منزلتك قبل أكلك منها، وذلك أنه لا يأكل من طعام الجنة في الدنيا إلّا من هو من أهل الجنة. قال أبو بكر: فقلت لسهل: هل أخبرك الآكل من تلك الرمانة ما كان طعمها؟ قال: نعم، فيها طعم يجمع طعوم الفواكه، ويزيد على ذلك في طعمه لين وبرد ليس هو في شيء من طعوم الدنيا. قال أبو بكر: فلم أشك ولا من سمع هذه الحكاية من سهل إلّا أنه هو صاحب الرمانة والآكل منها.


{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)}
وسئل عن قوله: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [30] قال: إن اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وخلق آدم عليه السلام من طين العزة من نور محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وأعلمه أن نفسه الأمّارة بالسوء أعدى عدو له، وأنه خلقها ليسارها عليه بمعلومه فيها خواطر وهمما، يأمرها بإدامة الافتقار واللجأ إليه، إن أبدى عليها طاعة قالت: أعني، وإن حركت إلى معصية قالت: اعصمني، وإن حركت إلى نعمة قالت: أوزعني، وإن قال لها: اصبري على البلاء، قالت: صبرني، ولا يساكن قلبه أدنى وسوسة لها دون الرجوع عنها إلى ربه، وجعل طبعها في الأمر ساكنا، وفي النهي متحركا، وأمره بأن يسكن عن المتحرك، ويتحرك عن الساكن بلا حول ولا قوة إلّا باللّه، أي لا حول له عن معصيته إلّا بعصمته، ولا قوة له على طاعته إلّا بمعونته، ثم أمره بدخول الجنة والأكل منها رغدا حيث شاء. ونص عليه النهي عن الأكل من الشجرة، فلما دخل الجنة ورأى ما رأى قال: لو خلدنا، وإنما لنا أجل مضروب إلى غاية معلومة. فأتاه إبليس من قبل مساكنة قلبه بوسوسة نفسه في ذلك، فقال: هل أدلك على شجرة الخلد التي تتمناها في هذه الدار، وهي سبب البقاء والخلود: {وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ} [الأعراف: 20] فكانت دلالته هذه غرورا. وألحق اللّه عزّ وجلّ به وسوسة العدو لسابق علمه فيه، وبلوغ تقديره وحكمه العادل عليه.
وأول نسيان وقع في الجنة نسيان آدم عليه السلام، وهو نسيان عمد لا نسيان خطأ، يعني ترك العهد. قال سهل: بلغني عن بعض التابعين أنه قال: النسيان في كتاب اللّه عزّ وجلّ على وجهين: الترك، كما قال في سورة البقرة: {أَوْ نُنْسِها} [106] أي نتركها فلا ننسخها، ومثله قوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [237] أي لا تتركوا الفضل بينكم، كذلك في طه: {فَنَسِيَ} [طه: 88] يعني ترك العهد، ومثله في تنزيل السجدة: {فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ} [السجدة: 14] أي تركناكم في العذاب كما تركناكم من العصمة عند الإقامة على الإصر.
قال: والوجه الآخر النسيان هو الذي لا يحفظ فيذهب من ذكره، كما قال في الكهف: {
فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] أي لم أحفظ ذكره، وذلك أن اللّه تعالى جعل للشيطان شركة مع نفس الجبلة فيما هو من حظوظها الذي هو شيء غير اللّه تعالى، وقول موسى للخضر: {لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ} [الكهف: 73] أي ذهب مني ذكره، وقال في سبح: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى} [الأعلى: 6] أي سنحفظك فلا تنسى، وهذا لإطراقه إلى تدبير نفسه.
ولم تكن فكرته اعتبارا، فكانت تكون عبادة، وإنما كانت فكرة بطبع نفس الجبلة، وهذا حكم اللّه تعالى به قبل خلق السماوات والأرض أنه لا يرى بقلبه عنده شيئا، وهو غيره مساكنا إليه، أو يرجع باللجأ إلى ربه والاعتصام به، فستر اللّه بذكره في أوطانه عند الإقامة على النهي، حتى تم سابق علم اللّه إليه فيما نهاه عنه أن سيكون ذلك منه، وصار فعله علم سنّة في ذريته إلى يوم القيامة.
ولم يرد اللّه معاني الأكل في الحقيقة، وإنما أراد معاني مساكنة الهمة مع شيء هو غيره، أي لا يهتم بشيء هو غيري. فآدم صلوات اللّه عليه لم يعتصم من الهمة والفعل في الجنة، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك. وكذلك من ادعى ما ليس له، وساكنه قلبه ناظرا إلى هوى نفسه فيه، لحقه الترك من اللّه عزّ وجلّ مع ما حل عليه نفسه إلّا إن رحمه، فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها، يعني إبليس، فأهل الجنة معصومون فيها من التدبير الذي كانوا به في دار الدنيا، فآدم صلوات اللّه عليه لم يعصم من مساكنة قلبه تدبير نفسه بالخلود لما أدخل الجنة، ألا ترى أن البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه، فغلب الهوى والشهوة على العلم والعقل والبيان ونور القلب لسابق القدر من اللّه تعالى، حتى انتهى كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل».


{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
وسئل عن قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ} [37] ما هذه الكلمات التي تلقاها من ربه؟ قال سهل: أخبرني محمد بن سوار عن أبيه عن الثوري عن عبد العزيز ابن رفيع عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أنه قال: لما ذكر آدم صلوات اللّه عليه خطيئته قال: يا رب، أرأيت معصيتك التي عصيتك، أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني، أم شيء ابتدعته؟
قال: بل شيء كتبته عليك إنك ستفعله بترك العصمة مني قبل أن أخلقك بخمسين ألف عام. قال آدم صلوات اللّه عليه: فكما كتبته عليّ فاغفر لي، {فإنا قد ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} [الأعراف: 23] أي بالإقامة على همة النفس والسكون إلى تدبيرها، وتبنا عن الرجوع إليه، {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا} [الأعراف: 23] أي في الدنيا {وَتَرْحَمْنا} [الأعراف: 23] في ما بقي من أعمارنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} [الأعراف: 23] أي من الأشقياء المعذبين في الآخرة، فكانت هذه الكلمات التي قال اللّه تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [37]. وروي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «قال آدم لموسى عليهما السلام: بكم تجد الخطيئة كتبت عليّ من قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين ألف عام. قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: فحج آدم وموسى عليهما السلام».
وسئل عن قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [30] فقال: أي نطهر أنفسنا بقولنا ما ألهمتنا تفضلا منك علينا، تباركت ربنا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8